كتاب وأراء

في تعريف فصيلة الأوباش

محمد أحداد ـ صحافي بيومية المساء

هل تعرفون لم نحن أوباش؟

نحن نعترف أننا أوباش، ولا يضيرنا في شيء أن ننعت بها، بل ونفتخر بكوننا أوباش لامعين، مادمنا ندافع عن الكرامة ولا نسمح لمن اعتادوا أن يدوسوا عليها أن يعيثوا فسادا بالطريقة التي يشاؤون، وأن يحددوا قواعد اللعبة بما يستوي مع مزاجهم، ولا نسمح لهم فوق ذلك أن يبيعوا الوطن في المزاد العلني، وإذا كان الآخرون قد استحلوا قواعد اللعبة، فنحن نرفض اللعب .. نرفضه إطلاقا ..

أنا أيضا وبش وأنتمي إلى أرض الأوباش، وقد تربيت وبشا، وحقنت بداء الوبش، وكان أبي وبشا أيضا، ولصدف الكون فإن والدي أفنى أكثر من نصف عمره بميناء الحسيمة حيث طحن محسن، وليس غريبا أن يكون وبشا أصيلا، و”الوبوشية” في الريف تنتقل بالوراثة، هناك من يحملها في جيناته ولا يسمح لها بالولادة إلا في حالات اغتصاب الوطن، وهناك من تسري في عروقه كل يوم، ولا يفوت أي فرصة مهما كانت صغيرة كي يعلن أنه ينتمي إلى فصيلة مختلفة.

الأوباش فصيلة نادرة عرفها الحسن الثاني حينما كان وليا للعهد وحينما صار ملكا، عرف معادن رجالها وكيف أنهم لا يتراجعون إلى الخلف حين يتعلق الأمر بالكرامة والدفاع عن حق الإنسان في الوطن وفي الحياة، وعرف كذلك أن الطائرات التي دكت الريف وحملات الاغتصاب المنظمة وحرق الأصل والنسل لم تنل من عزيمة رجال ونساء حملوا راية الوطن أكثر من هؤلاء المزيفين الذين يقيسونه بحسابات الخسارة والربح. نحن مع الوطن في الربح والخسارة.

الأوباش هم فصيلة واجهت الاستعمار بقوة السلاح والعزيمة فدحروه في أنوال وإغريبن وبورد وتاونات، وكانوا في الخندق الأول للدفاع عن الوطن، ولم يساوموا، ولم يشتكوا بأنهم بقوا وحيدين في المعركة، كانوا موغلين في الشجاعة وصادقين في الحياة والموت، خرجوا إلى المعارك بصدور عارية وتركوا خلفهم الأبناء والعوائل .. لم يسبق لهم أن فاوضوا حول الكرامة أو قدسية الوطن كما فعل كثيرون من كانوا يحسبون المغرب بقرة لا تصلح سوى للحلب ..

الأوباش فصيلة لا تتكرر، قصفت بالغازات السامة وتحالف عليها الغزاة من كل أصقاع الدنيا، وهجروا وعذبوا وجربوا كل صنوف العصا الغليظة وحوصروا ووصفهوم بأنهم مساخيط الدولة وانفصاليين ومتصلبو العقل والقلب وعصبيون ولا يتقنون التفاوض، وقاطعهم الملك الراحل الحسن الثاني واجتهد إدريس البصري كثيرا في محاولة إحصاء أنفاس الريفيين وقطع شرايينهم لكنهم لا يموتون، فالذي تعلم أن الوطن والكرامة لا يحتملان الحلول الوسطى، كما قال محمد بن عبد الكريم الخطابي، لا يموتون بهاته السهولة.

هؤلاء الذين راهنوا على استئصال الأوباش واهمون، لأنهم كانوا يحاربون الأشخاص ولا يعرفون أن الكرامة مبدأ والانتماء إلى الوطن قيم، والقيم لا تقبر، ولا تموت ومهما حاربوها تبقى راسخة في القلوب كما في العقول ويتوارثها الأجيال، جيلا بعد جيل بكثير من التفاني .. فهل طحنوا الفكرة؟

أنا لا أنكر أن الأوباش فصيلة فتانة، فبالإضافة إلى فتنة الجغرافيا التي ينتمون إليها، فإنهم مفتونون بالوطن، ومفتونون بالحب والثورة، مثاليون في السياسة، طوباويون في الثورة، عاطفيون وكرماء، في أحشائهم جينات غير قابلة للتعديل، لقحوا بها منذ زمن بعيد، يحملون مناعة ضد العبث، ضد الحكرة وضد الظلم، وضد من يريد أن يمسهم في أثمن أشيائهم حساسية .. الكرامة.

الأوباش مسالمون، يحبون الموسيقى، يعشقون الجمال، نبتوا بين الجبال والبحار، وهاجروا وعادوا وحاربوا، وفي المعارك الكبيرة للوطن تلفيهم في المقدمة. ويوما قال عنهم فرانكو إنهم الأشد بأسا على الإطلاق، وقال عنهم دافيد هارت إنهم الأشجع من كل القبائل التي درسها بكثير من التمحيص … الأوباش، بحد أدنى من الإيجاز، فصيلة نادرة ولا تتكرر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock