فاعتبروا يا أولي الحِراك لعلكم تفلحون


ليس من قبيل الجبن أو التخاذل أن يلقي المرء، بين الحين والحين، عينا على ما يحبل به التاريخ من عبر مفيدة، وخلاصات عميقة، دفع آخرون من أجل تسطيرها الغالي والنفيس، ولم يجنوا منها إلا الويلات والثبور، وكانت بين أيدينا دُرَرا ثمينة، ولآلئ مضيئة، لاستشراف مستقبل واعد ومسؤول.
وليس عيبا أن نحتج لتحقيق مطالبنا التي أجمع العالم على أنها مشروعة، ونحن نضع نصب أعيننا ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن وحتى تونس ومصر، فهذا فقط من باب التعبد إلى الله تعالى، والذي طفح كتابه العزيز الحكيم بآيات الدعوة إلى النظر وأخذ العبرة، ما دامت نواميسه ثابتة لا تحابي أحدا، ولا تجامل أحدا.
صحيح إن أخذ العبرة لا يقتصر على المحتجين دون المسؤولين؛ مادام أنه أمر يسع الجميع، من أجل أن ينعم الجميع بوطن متسامح وشامخ، يُشَرِّف المرءَ الانتماء إليه، فلسنا أمام معركة إذا فاز فيها أحد الطرفين خسر الطرف الآخر، بل أمام معضلة إما أن ينتصر فيها الجميع، أو يخسر الجميع.
إن السياسات العمومية لهذه الحكومة المشؤومة، وسابقاتها، هي التي أوصلتنا إلى ما نحن بصدده اليوم، فكان من حق المحتجين أن لا يثقوا في مبادراتها الزائفة، ووعودها المعسولة، خصوصا بعدما اتهمت أهلنا في الريف، ظلما وعدوانا، بما ليس فيهم، إلا أن تراجعها عن هذا التصنيف في غضون أقل من أسبوع، وتخليها عن كبريائها وجبروتها، ونزولها من برجعها العاجي إلى الشارع لمحاورة الشعب المسكين، لم يكن بمبادرة منها، ولا تملك أصلا الشجاعة لفعل ذلك، بل كان بتعليمات صارمة من جلالة الملك، بصفته أعلى سلطة في البلاد.
جميل أن يكون لدينا في البلد شخص حكيم ومحط ثقة الجميع، والأجمل منه أن يكون بيده شرف قيادة البلاد؛ لأنه لن يقودها إلا للأمان والاستقرار، لذا، من التعقل والبصيرة أن يتم تواصل قادة الاحتجاجات مع هذه الحكومة البئيسة رغم زلاتها وعيوبها، ليس على أساس أنها محل ثقة، فهي أبدا لن تكون كذلك، لكن على أساس أنها، من سوء حظها في هذه الآونة، تحت أعين من يثق فيه الجميع.
نعم، تبقى المؤسسة الملكية البوصلة التي يلجأ إليها جميع المغاربة إذا ما انقطعت السبل و ساد الظلام و استحال المسير ومن هنا توجب على أبناء الريف العقلاء و الحكماء و نخبه المثقفة أن يروا الأمور من الزاوية الصحيحة و بمزيد من التروي و التبصر حتى يتوحد الجميع حول الدرب الواحد الذي سيوصل الجميع إلى بر الأمان لأن الوطن هو للجميع و أغلى من الجميع.