سلايد Slideمجتمع

كرنفال “سونا”.. طقس يأبى النسيان يحييه أبناء “شبذان” بأركمان بمناسبة عيد الأضحى

سفـيان غـنو

دأبت ساكنة “هدراويان-شبذان” بقرية أركمان، على إحياء طقس من التراث القديم، كل سنة خلال عيد الأضحى، محافظة على العادة من الاندثار والتلاشي، بالنظر إلى أصوله العريقة ضمن تظاهرة غنية بالألوان والمشاهد والرموز والإيحاءات تأبى الاندثار، هي تظاهرة تحمل في طياتها رسائل رمزية وتاريخية عميقة ومتأصلة شغلت بال عدد من الدارسين الذين ما انفكوا يرون فيها بوثقة لاستنطاق المسكوت عنه ومساءلة الذاكرة الجماعية وما تختزنه من معتقدات وعادات وتمثلات تعود إلى أحقاب غابرة.

والحال أن الأمر يتعلق بتظاهرة أصبحت بحكم شساعة ممارستها، تحمل أسماء متعددة في المغرب باختلاف المناطق من “بوجلود” إلى “بويلماون” أو “بولبطاين” أو “هرما” أو “سونا” في الشمال الشرقي للمغرب وصولا إلى الجزائر حيث تسمى في عدد من المناطق “بوعفيف” أو “بابا الحاج” بل إن المهتم يجد نفسه أمام نفس الظاهرة في جزر الكناري القريبة جنوب إسبانيا بل وحتى في كولومبيا البعيدة، ما يفتح أبواب البحث للدارسين في أفق البحث والتنقيب لفك شفرات معتقدات مشتركة مهما أوغلت في القدم.

تروي الحكايات الشعبية الشفهية، أن أصول هذا الطقس تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وتتحدث عن وحش إفريقي تتدلى منه الجلود، وكان يزرع الرعب في صفوف السكان، فيما ترجع حكايات أخرى أصل الظاهرة إلى زمن كان فيه اللصوص يتنكرون بأجلاد الحيوانات بغية سرقة أموال السكان، أساطير أخرى تتحدث عن أن ارتداء الإنسان للجلود و التشبه بالحيوان ما هو إلا تكريم و تقديس لهذا الكائن الحيواني الذي لازم الكائن البشري، أينما حل و ارتحل.

بعض القبائل الأمازيغية تعتبر طقس “سونا” لحظة للمصالحة مع الذات والجماعة وعملية لكسر كل التابوهات وبهذا المعنى، تغدو “سونا” مقابلة للحلقيات الإغريقية القديمة أو صيغة متجددة لظاهرة “مسرح الشارع” في عدد من البلدان الحديثة التي تنتصر للتعبيرات الشعبية بما تتضمنه من رسائل و إشارات ذات بعد فني وثقافي واجتماعي وإنساني تبتغي إرسالها.

لكن من أين تستمد “سونا” كل هذه القدرة التاريخية على الصمود؟ الجواب على لسان الأستاذ أحمد صابر، العميد السابق لكلية الآداب بأكادير، الذي شدد على أهمية إضفاء بعد أكاديمي على هكذا تظاهرات من خلال استضافة باحثين مغاربة وأجانب، لاسيما من فرنسا، للكشف عن خبايا هذا الطقس الذي يختزن الكثير من القضايا التراثية التي ما فتـئت تثير الباحثين بطابعها الغرائبي.

كما جاء على لسان زيــنة ايت يسيــن الباحثة في التراث المغربي : إذا نظرنا إلى شخصية “بوجلود” المقنعة، سنجدها ترتكز على عنصر المحاكاة والتقليد بالدرجة الأولى، الشيء الذي يجعلنا نعود بالزمن إلى الوراء، لمعرفة بدايات التمسرح والتي ربطها معظم المؤرخين للمسرح بالإنسان الأول الذي كان يعتمد على المحاكاة لخلق جو من التشويق تتولد عنه رغبة مقرونة بالفضول لمعرفة علاقة الإنسان بالحيوان من طرد و افتراس حتى يتم الإيقاع بالفريسة واصطيادها ومن ثمة طهيها الشيء الذي يجعل الفضاء المسرحي مكتملا بامتياز ابتدءا من الجمهور مرورا بالشخصية الرئيسية و الثانوية، ووصولا إلى الإنارة و الصورة.

القراءات المفسرة لطقوس “سونا” أو “بوجلود” تختلف وتتنوع بين القراءة الإنثروبولوجية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية لطقس مملوء بالإيحاءات والتنكر وبمدلولات سوسيولوجية وسيكولوجية وإثنوغرافية ضاربة في أعماق التاريخ، وتمارس سونا في منطقة شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي، وما ميز سونا هذه السنة هو الحضور الغفير لساكنة منطقة شبذان والناظور فضلا عن شخصيات من جنسيات مختلفة عراقية وإنجليزية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock