تعد ظاهرة الانتحار من الظواهر الخطيرة والغامضة، حيث أن دراستها كظاهرة اجتماعية استعصت على السيوسيولوجيين والسيكولوجيين وغيرهم من العلماء والأطباء والمنظرين وحتى علماء الدين.
إن صعوبة تحليل ظاهرة الانتحار راجع لكونها لا تستهدف جنس دون الآخر أو تتفشى في فئة عمرية دون الأخرى أو في منطقة معينة دون الأخرى، ذلك أنها معقدة كثيرا، وكما كل الظواهر الاجتماعية الأخرى فالحلول التي يقدمها المهتمون بالظاهرة تبقى حلولا نسبية لا نهائية من شانها أن تقلل في عدد الضحايا لا أن تحد منها، كما أن الوجه المعقد الآخر للانتحار هو كونه -اي الانتحار- يتعلق بروح الإنسان وبحق فطري وهو الحق في الحياة.
ويبدو أن الريف والذي به خصاص مهول من شتى مناحي التنمية لم يسلم هو الآخر من تفشي هذه الظاهرة، بل ويحتل المراتب الأولى في معدلات الانتحار وطنيا، لأنه في السنين الأخيرة عرف ارتفاعا قياسيا في نسب المنتحرين قابله صمت رهيب من المسؤولين ومن المجتمع المدني بالمنطقة، اللهم بعض التنديدات التي يقوم بها بعض الفاعلين ولكن دون استجابة احد.
شبح الانتحار بمنطقتنا يحصد روح الغني والفقير، الكبير والصغير، ومن كلا الجنسين، وهنا تكمن صعوبة تحديد الأسباب الرئيسية التي أدت بهؤلاء إلى أن يضعوا حدا لحياتهم بهاته الطريقة البشعة التي لا يرضاها لا الله ولا عبده، حيث تتفاوت الأسباب بين الضحايا وتتباين، وبعض الأسباب تبقى غير جلية وغير مفهومة لان الضحية لم تكن له أعراض، ومشاكل أو أمراض توحي على انه مستعد لوضع حدا لحياته.
انتشار هذه الظاهرة في الريف بالذات بنسب مرتفعة عن غيره من المناطق ليس صدفة، وإنما يوحي إن البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأهالي أقاليم الريف ليست على ما يرام وإننا متجهون نحو منحدر أسود وخطير لا يبشر بأدنى مستويات الخير، أمام هذا الواقع المؤلم الذي يهم الجميع مسؤولين كانوا أم مواطنين عاديين، وجب الوقوف وقفة صغيرة من الجميع بهدف احتواء الأزمة والحيلولة دون توسيع رقعة الضحايا.
وبالرجوع للأسباب الظاهرة التي تودي بهؤلاء إلى قتل أنفسهم بأبشع الطرق عن طريق الشنق أو تناول دواء سم للفئران او شرب مادة قاتلة … تتعدد الأساليب والطرق والفواجع واحدة؛ نجد أن الأسباب متباينة ويصعب علينا استجلاؤها وتحليلها إذ وجب بالضرورة وعلى وجه السرعة تكوين لجنة أخصائيين في جوانب متعددة لدراسة الظاهرة محليا، لكن في هذا الصمت واللامبالاة من المسؤولين بالأساس اتجاه خطورة ما شاع بيننا وما يذهب بأرواح أبناء منطقتنا يبقى تكوين لجنة مختصة طرح بعيد التحقيق، فإلى أين يا ترى؟
زر الذهاب إلى الأعلى