محمد بوتخريط ــ هولاندا
نعيد الحكاية .. ومن جديد …
عن الصحافة ومهرجانات المدينة … أو هذه الساحة الخالية .. ماذا نسميها ؟
خلال الجولة الصباحية الاعتيادية عبر بعض المواقع الالكترونية الإخبارية، وأنا أتصفح العناوين البارزة، انتبهت لشيء مثير بالفعل من حولي، من بين عناوين كثيرة وجدتها تقطر كذبا، كان ثمة “عنوان” بارز يتمرد ويظهر في كل موقع افتحه.. وهذا حال مدينتي، عنوان لكل المواقع وموقع لكل شخص.
الظاهر أن “الموضوع” موضوع العنوان البارز قد وصل إلى كل مكاتب التحرير وأقسام الأخبار في مواقع المدينة، فلم أجد مفرا أخيراً غير تصفحه : (…)
عبر المواقع كانت الكثير من العناوين تتكرر، بعضها تهم مدينتي وأكثرها حول الحوادث وبكل أنواعها .. والبعض الآخر محسوب على معارضة غير منسجمة تكرر ما تنقله الصحافة الرخيصة في أماكن وجوانب أخرى من البلاد، تستطيع أن تقول أنه نوع من “تجمهر العناوين” غير مصرح به في صباح كهذا الذي أنا فيه واقف أتصفح العنوان إياه وأراقبه، قبل أن يهاجمني سؤال بليد جدا حول ماهية العلاقة بين الصحافة والإعلام بمهرجانات مدينتي!!
تساءلت ذات التساؤل ببلاهة وأنا اشعر أن شخصا آخر هو من يتحدث بداخلي … وأنا أعلم جيدا نوع العلاقة بين “الصحافيين” وبين إدارة مهرجانات مدينتي وبكل أنواعها وتوجهاتها … وقليل إن قلت أنها ليست علاقة قوية أو أن حلقة الوصل مفقودة .. أو لنقل معلقة!
فهل فكر هؤلاء يوما ما فعلا في أهل المدينة ليدركوا كل ما يمنعهم من أن يحققوا ذاتهم وأن يفكروا ويتحرروا … هل يدركون فعلا كل ما يخنق أهل المدينة، وكيف لمدينة تعيش مهرجانات للسينما والغناء والمسرح والكتاب ولا تملك في الأمر لا سينما ولا مركز تكوين ولا مسرح ولا مكتبة.؟
ليبقى أسلوب المجاملات والعلاقات العامة هو المعهد وهو المدرسة وهو كل شيء؟
كثيرا من صحفي مدينتي يقومون بتغطية الأحداث بسبب العلاقات التي تربطهم بالمؤسسات، أو ربما حتى لا يتعرضون “لغضب” المسؤولين في ذات المؤسسات، وهذه ــ طبعا ــ مفاهيم تحرف الإعلام عن المفاهيم العلمية التي قام عليها، والتي من الضروري أن تترسخ في ذهن الصحفي قبل أن يخوض غمار العمل الإعلامي … والخطير أن هؤلاء كثر في مدينتي.
أطرح ذات التساؤل إياه، وأنا أعلم جيدا أن في كل مكان في بلادي توجد فيها علاقات يحكمها النفوذ والتلاعب، وحتى في الثقافة والفن، ومدينتي ليست بعيدة .. هي داخل هذه البلاد السعيدة.
في مدينتي ليس من الضروري أن تكون قريبا من مطبخ دورات مهرجانات المدينة وبكل أنواعها، حتى تكتشف ما يطبخ وراء الكواليس .. فرائحة الطبخ تصلك أينما أنت .. لأنهم في مدينتي يطبخون ببهارات (وليس لدى أي إشكال في أن أعلنها هنا، حتى نحرص على تجنبها في القادم من الأيام ) بهارات فاسدة، انتهت مدة صلاحيتها بل وفي أحيان كثيرة تكون غير صالحة للاستهلاك البشري.
فقط، كم يقض مضجعي هذا الحال الذي آلت إليه “الصحافة” في مدينتي، وما آلت إليه أوضاع بعض فنانينا مما يجعل الكثير من التساؤلات تحوم حولنا .. وتكثر أكثر حين أرى الكثير منهم يضربون ويسبون ويقذفون بل ويصدرون بيانات لمقاطعة مهرجان ما، ولكن حين يُستدعون للمشاركة وترسل إليهم بطاقات دعوة “وطبعا” مع وعد بالتوصل “بغلاف” ما .. ينقلبون رأسا على عقب ليلخصوا كل السب والبيانات بقول بنكيران في مزوار : “لقد قال فينا وقلنا فيه .. وكفى المؤمنين شر القتال”.
وما أكثرهم في مدينتي، ما أكثر ما رأيناهم ينقلبون رأسا على عقب بين عشية وأخرى بلا موضوعية أو أخلاق أو دين أو قيم، فشعارهم لمن يدفع، وإلا بدؤوا بالتهجم على من لم يدفع حتى … يدفع، فتنقلب تماما كل الحقائق وتتزعزع أركانها وتهتز الجدران ليقع السقف بعد ذلك على المدينة وأهلها بعد أن يخر البنيان وينقلب كل شيء رأسا على عقب.
بعد “طبخة” ما .. تطُبخ بذات البهارات إياها … وقطعة كعك معجونة بعرق أهل المدينة كنصيب يطالهم من “الكعكة” .. يتحول كل شيء … بل ومنهم من يعتذر و”يحلل مصاريف المهرجان” … بل وتتحول بيانات التنديد إلى “بيانات اعتذار”!
هذا ما يقض مضجعي ويجعلني آسف على كثير من الجهد الذي بذل في هذه المدينة الجميلة الهادئة بأهلها، ومن فنانين كبار و أقلام حرة عرفتها المدينة وكانت دائما حاضرة لتوعية أهل المدينة على معنى الانتماء والأخلاق العالية التي غرست في صدور أهل المكان ومنذ زمن بعيد .. لتأتي اليوم ريح هوجاء لتقتلع كل ما تم غرسه على مر السنين .. وكل ما يمثله تاريخ المدينة من عظيم شأن ونضوج فكر .. ولم يثبت إلا القليل … القليل … القليل .. الذين لم ولن تتمكن الأعاصير أن تعمي أبصارهم عن الحقيقة .. ولا أن تقتلع الأخلاق .. أخلاق المِهنة، وكل الأخلاق من أعماقهم ومن جذورهم.
أصواتهم وان كانت “مهمشة” فلا زالت باقية شامخة، وهم أشداء ما زالوا صامدون مثل الرماح انتظارا ــ ربما ــ لمعركة قادمة.
قد يعتقد البعض أنني أقصد التقليل من كفاءات الصحفي والفنان في مدينتي، ولكن هي الحقيقة لا يوجد فن نبيل ولا ممارسة إعلامية حقيقية .. إلا القليل جدا، فإن من يدرس الصحافة ويقرأ الكتب والأبحاث والدراسات الإعلامية يصاب فعلا بالذهول لحجم القضايا والأمور التي ينبغي على الصحفي أن يدركها.
زر الذهاب إلى الأعلى